في ليله شتاء بارد وقعت الفاجعه

لكن القدر كان أسرع منهم بكثير..
بأن انفجرت انبوبة الغاز!!

أسرعت دنيا التي كانت تحمل طفلتها في حضنها إلى البلكون
تستنجد الجيران والمارّة
ومن قوة لهيب النيران انفجر الزجاج المطلّ على البلكون
فتشبثت النيران بظهر دنيا!!
وبدأت تصرخ مستنجدة خائفة على ابنتها من أن تمسها النيران

وإذ بمغيث لها..
جيرانهــــا
ينادون ويقولون لها..ألقي ابنتك الينا ونحن لها مُلتقطون..
فمن شدة خوفها ورهبتها ألقت بابنتهــــا هيا
علّ وعسا أن تنجو من النيران وأن يستطيع احد إلتقاطها


لكن القدر كان اقوى بكثير من أي انسان
فقد هوت هيا إلى الارض متخبطة بدمائها
وما أن رات الام هذا المنظر امامها والنار تلتهم جسمها حتى القت بنفسها خلف ابنتها
هوت الام إلى الارض بجانب ابنتها

والبيت فوق يشتعل بما وبمن فيه!!

احمد بقي مكانه..
النار التهمت جسمه بالكامل
والاب يصرخ يخرج مرة ويعود مرة لا يدري ماذا يفعل ..
حتى استنشق ما يكفي من الدخان
وطارق لا احد يعلم اين هو!!!!!
حضرت فرق المطافئ والاسعاف
واخمدوا النار الملتهبة

اخذو الاب واحمد والام وهيا
لكن طارق..
اين طارق؟؟
بدؤوا البحث عن طارق وسط الدخان المتراكم

فوجدوه متعلقآ على شباك الغرفة وهو في حالة صدمة عنيفة

المستشفى في حالة تأهب لاستقبال العائلة المنكوبة
وهي لا تدري حجم الاذى الذي اصابها

الاب يدخل المستشفى على قدميه وهو مصدوم تمامآ
لا يتكلم
واحمد يدخل الغرفة الزجاجية لان معالمه انتهت
لكن قلبه ما زال ينبض
وهيا في الغرفة المجاورة بين الحياة والموت
والام ....
والام ....
هناك في غرفة بعيدة عنهم يلتف على جميع انحاء جسمها الشاش وهي في غيبوبة تامــــــــــة

في الليلة الاولى
افاق الزوج من صدمته ليدخل في غيبوبة كاملة

وما هي الا ساعات قليلة فارق الاب الحياة
وفي ساعات الصباح الاولى فارق احمد الحياة
وفي المساء صعدت روح هيا إلى بارئها



أما طارق بعيد جدآ عنهم
يتخبط صدمته ولا يعي ماذا يقول
والام لا تعلم ماذا يجري
ثلاثة أيام ودنيا في عالم آخر
افاقت دنيا
" وين هيا؟
موجودة هيا؟
بدي اشوف هيا؟
انا قتلت هيا
انا قتلت هيا "

اعتقدت للحظة أن عبدلله استطاع اخراج ابناءه من وسط النيران

اخبروها أن هيا بصحة جيدة لكنها لا تستطيع رؤيتها الان
بسبب الاصابات البالغة..

دنيا لا تستطيع الحراك
الحروق الموجودة في جسمها
والحوض المكسور..

تفيق ساعة وتغيب ساعات
كلما تفيق تسأل عن زوجها واولادها
وما من مجيب

الكل في حال صدمه

برغم الكسور والحروق وسقوطها من الدور الرابع
الا أن الجنين داخل أحشاءها ما زال ينبض
اللــــــــــــه اكبــــــــــر
ما الحكمة؟؟
يـــــــا الله

هي لا تعلم ماذا حصل لعائلتها
مضى اسبوع كامل ودنيا
في حالة غيبوبة متقطعة
الى أن جاء الوقت
اختها بجانبها وهي تعلم أن دنيا في حالة غيبوبة
لا تسمع شيء ..
تكلمت بالهاتف مع والدتها التي تعيش في بلد أخر
فاخبرتها القصة كاملة..
وكيف مات ابناء اختها وأبوهم..

ودنيا تسمع!!
لكن لا تستطيع الحراك ولا النطق..

بدأت الدموع تنهمر على وجنتيّ الام المفجوعة..

وكأنها تصرخ من اعماقها،،
لكنها لا تقوى على رفع صرخاتها وألمها الذي تشعر به..

في اليوم التالي افاقت دنيا من غيبوبتها لتدخل غيبوبة اعمق تستمر لعدة أيام اخرى

والجنين لا زال ينبض في احشاء والدته
سبحـــــــان الله
ها قد مضى على وجود دنيا داخل المستشفى أربعة شهور

وهي على حالها
رافضة تمامآ لما حصل!
الى أن جاء هذا اليوم الذي يجعل الام تنهض وتحارب الكسور والاستسلام
عندما قالت لها اخت زوجها

( شفتيهم بوسط النار ارمي نفسك وموتوا سوا ليس تبقي عايشة )
هذه الكلمة احيت الام من جديد..

وبدأت تستعيد صحتها يوم بعد يوم والجنين يكبر داخل احشاءها

طلبت من الطبيب أن تخرج من المستشفى

اثناء وجود دنيا في المستشفى
تبرع احد الاكارم بتصليح البيت وفرشه وإسقاط الأقساط المترتبة عليه للبنك

خرجت دنيا من المستشفى وهي على كرسي متحرك وبطنها مكوّر امامها
لكنها اصرّت أن تعود إلى بيتها
كان اصرارها شديد

عادت ... الي منزلها وما أن فـُــتِح الباب امامها
حتى رجع شريط ذكرى الكارثة التي حصلت
دموعها تنهمر بغزارة المطر لكن دون صوت مسموع..
لكن بقلب متقطع موجوع..

همـّـت بالوقوف على قدميها
حاولت مرارآ حتى استطاعت أن تمشي خطوات
كطفل في اولى خطواته..

الاصرار على البقاء
هو الذي جعل الام تتحدى الالم والفراق
وجود الطفل في احشائها جعلها تتمسك بالحياة
رغم الشهور الصعبة التي عاشتها الا أن ايمانها بالله كان اقوى
من أي قوة على الارض..



انا برأيي أن اخت الزوج كان لها الفضل الكبير على اصرار الام بالعودة للحياة مرة اخرى
بعدما استسلمت تمامآ
رغم قسوة الشيء الذي ذكرته اخت زوجها الا انه كان السبب
في عودة الامل من جديد


اجتمعت العائلة -دنيا وطارق- مرة اخرى وسط جدران باردة تحيط بها ذكريات وآلام

مضت الاشهر
وحان المخاض
ومخاوف تسيطر على الام من أن تنجب طفلة مشوّهة
إثر تلك الاشعاعات التي كانت تتعرض لها اثناء وجودها في المشفى

لكن سرعان ما تحول الالم والخوف إلى ابتسامة كبيرة ارتسمت على وجه دنيـــــــا

فقد انجبت طفلة في غاية الجمال والصحة

عصرني الالم عندما حملت الطفلة لأول مرة
فنزلت دموعي على وجنتيها الناعمتين الصغيرتين

يا الله
يا حنـّـان يا منـّـان
انك رحيم
عطوف
سبحان الخالق
سبحان المعطاء
ما أجمل هذه الطفلة..

عادت دنيا إلى منزلها حاملة طفلتها بين يديها
وطارق يحمل حقيبة والدته والفرحة لا تسعهُ

-هكذا احسستُ بتلك اللحظة-
لا ادري هل احساسي بطارق صحيح؟!
ام أن الالم يعتصر قلبه ؟
لا ادري.. ربما!!!!

ها هي الايام والشهور تمضي
وطارق يجلس بجانب اخته الصغيرة
يسرد لها القصص وهي تنظر اليه وتضحك
وكأنها تعي وتفهم ما يقول..

إلى أن
سمعت دنيا طارق يحكي قصة عائلته إلى اخته الصغيرة
وهو يبكي بكاء شديد
والطفلة تستمع له باصغاء
وما أن انتهى من قصته
حتى اجهدت الطفلة بالبكاء الشديد
تـُــــرى.. لِمَ بكت الطفلة؟


تقف دنيا خلف الباب والالم يحتويها
وما أن انتهى طارق من قصته حتى اقتربت منه وحضنته بقوة
واخذت تهدئ من المه
وتذكر له أن الله سبحانه وتعالى هو من اراد ذلك
وان الله يمتحنهم
وان مثواهم أن شاء الله الجنة

مضت الشهور والسنين
اصبح عمر سندس الان 4 سنوات
وتسأل بشكل متواصل عن والدها

(( ماما وين بابا ما عندي بابا مثل بنت جيرانا ))

سندس طفلة ذكية جدآ وجميلة جدآ
دخلت سندس الروضة

سأذكر لكم حادثة آلمتني كثيرآ حصلت مع سندس
منذ أيام قليلة في الروضة..
عادت سندس من روضتها إلى البيت تحضن امها
وتطلب من امها أن تذهب معها غدآ إلى روضتها
لتوبّخ معلمتها التي ضربتها
فما أن ذهبت دنيا إلى المعلمة تتساءل عن أي ذنب
ضربتِ ابنتي؟
فأجابت المعلمة : انا لم اضربهـــا ..
هنا تدخلت سندس بكل عفوية وبراءة:
(( لا تكزبي انتِ ضربتيني عشان انا ما عندي بابا
يجي يضربك..أما الولد التاني ما ضربتيه عشان عندو بابا
خفتي من بابا تبعو يجي ))

أما طارق فيتراجع في دروسه
وتحاول الام أن تبعد عنه التفكير

ترى هل يستطيع طارق أن ينسى

والام الصغيرة في العمر
كرّست حياتها لابنائها
تعمل في بيتها
لتستطيع توفير الحياة المثلى لاطفالها

هذه هي الام
فلنتعلم الصبر من هذه الرائعة

والله والله
لاني عاصرت الحدث من اوله لاخره
لا الوم طارق
اذا كانت هذه الحادثة المؤلمة اثرت على نفسيته

هو لا يستطيع الابتعاد عن والدته واخته
حتى انه لا ينام الا بحضن والدته

اكتب في هذه القصة وكلي الم لما آلت اليه هذه العائلة

من دمار وفراق