{قيمه العمل فى الإسلام }

الإسلام دين علم وعمل،
فالدعوة إلى العلم بدأت مع أول كلمة نـزل بها الوحي على قلب النبي محمد
عليه الصلاة والسلام «إقرأ». واستمرت مع نـزول الوحي وبعده حقيقة راسخة،
وترافقت مع الدعوة إلى العمل، وكان رسول الله (ص) يقول: «ليس الإيمان
بالتحلي ولا بالتمني ولكن ما وقر في القلب وصدّقته الأعمال».أي أن العمل
هو شرط ترجمة الإيمان بالله إلى حقيقة مرئية. وبالعلم والعمل انطلقت
الحضارة الإسلامية تشق طريقها في مختلف المجالات، وتنتشر في العالم
انتشاراً واسعاً يشهد له جميع المؤرخين.



ومن دلائل أهمية العمل في الإسلام، تكرار كلمة العمل أو إحدى مشتقاتها ما
يقارب الـ 330 مرة في القرآن الكريم، منها ما يزيد على الـ 100 مرة وردت
مقرونة بالإيمان { َالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ }، أضف
إلى ذلك الكلمات المرادفة لكلمة العمل ومشتقاتها، مثل: فعل ويفعلون وصنع
ويصنعون.



والعمل يكون للدنيا وللآخرة، يقول تعالى: { وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ
اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ? وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا }
[القصص: 77] . وفي آية أخرى: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ
عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} [التوبة: 105] ، وشهادة
المؤمنين تكون على العمل في الدنيا، والآيات القرآنية التي تدعو إلى العمل
كثيرة جداً، وكذلك الأحاديث النبوية الشريفة، فعن أنس بن مالك (ر): أن
رجلاً من الأنصار أتى النبي (ص) يسأله، ويطلب منه مالاً، فقال له النبي
(ص): «أما في بيتك شيء؟»، فقال الرجل: بلى، حلس (أي كساء)، نلبس بعضه
ونبسط بعضه، وقَعْبٌ نشرب فيه الماء. قال: «ائتني بهما». قال: فأتاه بهما،
فأخذهما رسول الله (ص) بيده وقال: «من يشتري هذين؟» فقال رجل: أنا آخذهما
بدرهم. فقال : من يزيد على درهم؟ ـ مرتين أو ثلاثاً ـ ، فقال رجل: أنا
آخذهما بدرهمين، فأعطاهما الأنصاري وقال له: «اشتر بأحدهما طعاماً، فانبذه
إلى أهلك، واشتر بالآخر قدوماً (أي فأساً) فأتني به». فأتاه به فشدّ فيه
رسول الله (ص) عوداً بيده ثم قال له: «اذهب فاحتطب وبع، ولا أرينك خمسة
عشرة يوماً». فذهب الرجل يحتطب ويبيع، فجاء وقد أصاب عشرة دراهم، فاشترى
ببعضها ثوباً وببعضها طعاماً، فقال الرسول (ص) : «هذا خير لك من أن تجيء
المسألةُ نُكْتَةً (أي علامة) في وجهك يوم القيامة، إن المسألةَ لا تصلحُ
إلا لثلاثة: لذي فقرٍ مدقع (أي فقر شديد)، أو لذي غُرْمٍ مُفظِع (أي دين
كبير)، أو لذي دمٍ موجع (أي عليه دية لا يستطيع أن يتحملها)»

ولقد عمل الأنبياء وهم صفوة الخلق في مهن الدنيا، فنبي الله نوح عليه
السلام كان نجاراً، ويعقوب عليه السلام كان يرعى الغنم، ويوسف عليه السلام
كان وزيراً على خزائن مصر، وإدريس عليه السلام كان خياطاً، وكان يعمل في
الخياطة ولسانه لا يكف عن ذكر الله، فلا يغرز إبرة ولا يرفعها إلا سبَّح
الله، كما عمل موسى عليه السلام عشر سنين في رعاية الغنم عند الشيخ
الكبير، أما نبي الله داود عليه السلام فقد كان حداداً يصنع الدروع، وآلات
الحرب، كما كان ملكاً يعمل ويأكل من عمل يده. كما يخبرنا بذلك النبي عليه
الصلاة والسلام في قوله: «ما أكل أحد طعاماً قطٌّ خيراً من أن يأكل من عمل
يده، وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده»وقد اشتغل رسول
الله (ص) كذلك برعي الغنم في صغره، وعمل في التجارة في شبابه، كما شارك
أصحابه في أعمال كثيرة، في حفر الخندق، وجمع الحطب، وبناء المسجد، وغير
ذلك.

وقد جعل الإسلام السعي في الأرض لكسب الرزق، سعياً في سبيل الله، ولذلك
فهو عبادة، وقد قدَّمه في سورة المزمل على القتال في سبيل الله، حيث
يـقـول تعالى: { وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن
فَضْلِ اللَّهِ ? وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ } [المزمل:
20] .



والعمل يُكْسِبُ المرء حبَّ الله ورسوله، واحترام الناس. فقد روي عن النبي
(ص) أنه قال: «إن الله يحب المؤمن المحترف». (أي الذي له عمل وحرفة أو
مهنة يؤديها).



ومن هذه الروايات والأحاديث ندرك أن الإسلام حثَّ على العمل، بغضِّ النظر
عن حاجة الإنسان للمال، لأن العملَ يعفُّ النفس ليس فقط عن السؤال بل وعن
الفراغ، خصوصاً أن الفراغ والمال يؤديان غالباً إلى الفساد كما يقول
الشاعر:

إن الشباب والفراغ والجِدة مفسدة للمرء أي مفسدة



(والجِدة: تعني الغنى وكثرة المال).

والتاريخ الحديث مليء بالنهايات الحزينة، لعدد كبير من الأغنياء دفعتهم
الثروة إلى الإعراض عن العمل، فملؤوا أوقاتهم بالمفسدات والمخدرات، وكانت
نهايتهم في السجون والانتحار.



ولعله من نافل القول أن العمل هو الطريق الأساسي إلى عمارة الأرض، وهو ما
أمر الله به جميع خلقه من دون استثناء، غنيهم وفقيرهم، قويهم وضعيفهم. كان
عمر (ر) يقول: «إني لأرى الرجل فيعجبني قوله، فأقول: أله حرفة؟ فإن قالوا:
لا، سقط من عيني». ولا أبلغ في ذلك من قول النبي عليه الصلاة والسلام: «إن
قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فإن استطاع ألاّ يقوم حتى يغرسها فليفعل».
وهذا ما يؤكد أن العمل مطلوب من الإنسان لذاته، وفي سبيل عمارة الأرض،
وليس فقط لمجرد كسب المال.



ولقد أمر الإسلام بالإتقان في العمل قدر المستطاع، حيث يقول النبي عليه
الصلاة والسلام: «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه».كما نهى
الإسلام عن الغش في العمل، وذلك في قول النبي عليه الصلاة والسلام: «من غش
فليس مني»، ونهى أيضاً عن الرشوة في قول النبي عليه الصلاة والسلام «لعن
رسول الله (ص) الراشي والمرتشي»ولذلك وجب على الإنسان أن يكون أميناً في
عمله لا يغش ولا يخون، ولا يرتشي، يحفظ أسرار عمله، ويؤديه على أكمل وجه،
ويحفظ للعاملين حقوقهم، ولا يظلمهم ولا يكلفهم ما لا يطيقون، ويوفر لهم ما
يحتاجون إليه من رعاية صحية واجتماعية. وفي ذلك صلاح المجتمع وتقدمه
وحضارته