******محكمة!

محكمة!
هدأةٌ في المساءْ‏
تمجُّ الحقولُ بأعشابها‏
نُسغاً فاتراً‏
يصخب الضوءُ‏
تحت انثناءات غصن طريٍّ‏
فيزحف مبتهجاً بالفضاءْ‏
يذهب العابرون إلى لُجّة الصّحوِ‏
أذرعُهمْ ترتمي في العناق اللذيذِ‏
تفور أحاديثهمْ‏
حلوةً مثل صبح بهيجٍ‏
فبالحبّ تحلو الحياةُ‏
وحتى الحجارةُ..‏
ليستْ لرمي الشياطينِ‏
بل فوقَها‏
يحفر العاشق المستهامُ قصائدهُ‏
واتّفقنا:‏
سنعقد جلستنا في الفِناءِ‏
فيتكئُ السادةُ المترفونَ‏
يمصّونَ من تبغهم صامتينَ‏
وكلُّ القضاةِ‏
المحامونَ‏
حتى الشهودُ‏
الحضورُ جميعاً‏
بدَوا لحظةً كالسكارى‏
لفافاتُهمْ سقطتْ فجأةً‏
ثم راحت تذرُّ الرمادَ..!‏
كأنَّ على رأسهم ألفَ طيرٍ‏
لماذا إذاً‏
طفلةٌ‏
فتحتْ باب جلستنا الخشبيَّ الأنيقَ‏
مشت من أمام الجموعِ‏
هناك استدارتْ‏
تعلّق أرجوحةً‏
من بقايا الطفولةِ‏
راحت تدورُ‏
ودارت بنا الأرضُ!‏
أوشكتُ ألعبُ‏
لولا العيونُ التي أثقلتْها المواجعُ‏
قهرُ السنينَ‏
القضايا‏
دموعُ الثكالى‏
وظلّتْ تؤرجح قامتَها‏
في الهواء الثقيلِ‏
يطيرُ شذا شعرها حولَنا‏
وأنا‏
جسدي كوكبٌ من لهيبٍ‏
يطير بأرجوحةٍ من ورقْ‏
حزمتْ أمرها‏
بعد صمت طويلٍ‏
وكنّا جميعاً نخرُّ إلى الأرض‏
حين استدارتْ‏
وهزَّ الحضورَ صدى صوتها:‏
هاهي المحكمةْ!‏
تُصدر الآنَ ألفَ قرارٍ‏
وترفع ألف شعارٍ‏
فتفتحُ كلَّ السجون مدارسْ‏
وتُلبس كلَّ القضاةِ قلانسْ‏
.. ونضحكُ..‏
-هيا اتبعوني-‏
نسيرُ إلى "السيرك"‏
نجلسُ جمهرةً:‏
القضاةُ‏
المحامون‏
حتى الشهودُ‏
وكلُّ الذين تنادَوا لحلفِ اليمين الكذوبِ‏
وكانت طيورٌ‏
ترفرف حول الوجوه سراعاً‏
تمرَّ بقاماتها‏
في دوائر من نارِ‏
ثمَّ تلوبَ قليلاً وتهوي‏
على شرفة في الجوارْ‏
تنقّر من ثمر يابسٍ‏
وبذارْ‏
ونضحكْ..‏
حين نراها‏
تَساقطُ في لحظة مرغمةْ‏
وحين انتهى العرضُ‏
كان المنادي يصيحُ:‏
قِفوا‏
محكمةْ!!.‏